غيّرت جائحة كورونا شكل بيئة العمل عالميًا، حيث لم يصبح العمل عن بُعد خيارًا اضطراريًا فقط، بل أثبت كفاءته في تحسين الإنتاجية وتقليل التكاليف وفي السعودية، يزداد الطلب على هذا النموذج من العمل، وذلك بسبب تسارع وتيرة التحول الرقمي بشكل غير مسبوق، وتطور الأدوات الرقمية التي تسهل الإدارة عن بعد والتواصل، مما مهّد الطريق أمام مؤسسات القطاعين العام والخاص لتبنّي هذا النموذج بمرونة أكبر.
وضمن إطار رؤية السعودية 2030، يُعد التوطين (السعودة) من الأهداف الاستراتيجية لبناء اقتصاد مزدهر وقائم على الكفاءات الوطنية. أطلقت الحكومة عددًا من المبادرات والبرامج (مثل “نطاقات”، و”منصة العمل عن بُعد”) لتعزيز مشاركة السعوديين والسعوديات في سوق العمل، وبالتحديد في القطاع الخاص.
ويمثل نموذج العمل عن بُعد فرصة لتحقيق أهداف التوطين بشكل عملي. فهو يمكّن الشركات من الوصول إلى مواهب سعودية في مناطق نائية، أو من فئات يصعب دمجها في النماذج التقليدية، مثل الأمهات أو ذوي الاحتياجات الخاصة، كما يسهم في تقليل الأعباء التشغيلية على رواد الأعمال، ما يجعل التوطين خيارًا أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية والإدارية.
العمل عن بُعد يُشير إلى أداء الموظف لمهام العمل من موقع خارج مقر المنشأة الرئيسي باستخدام تقنيات الاتصال والمعلومات، مع الحفاظ على علاقة وظيفية نظامية وموثقة ضمن إطار قانوني.
في السياق السعودي، اكتسب هذا النموذج بعدًا استراتيجيًا بعد أن أدرجته وزارة الموارد البشرية ضمن منظومتها التنظيمية، ليكون خيارًا مشروعًا يتماشى مع سياسات التوظيف الوطنية والتوطين، وليس مجرد مرونة إدارية.
انطلاقًا من التزام الحكومة السعودية بتوسيع نطاق فرص التوظيف وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، برز الدعم الرسمي للعمل عن بُعد كأحد أبرز التوجهات خلال السنوات الأخيرة، نظرًا لما أثبته هذا النموذج من فعالية في مواكبة تسارع التحول الرقمي والمتغيرات الاقتصادية والتقنية.
وقد تجسّدهذا الدعم في إطلاق منصة تابعة لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وهي منصة العمل عن بُعد والتي تعمل كحلقة وصل موثوقة بين المنشآت والكوادر الوطنية، مع ضمان الامتثال الكامل للتشريعات والسياسات السعودية في العمل.
توفر المنصة أدوات توظيف إلكترونية متكاملة، وعقود عمل موثقة، و نظام متابعة دقيق، مما يجعلها خيارًا مثاليًا للتوظيف عن بُعد بأسلوب قانوني وآمن.
وبسبب التسارع في التحول الرقمي في السعودية، الذي يُعد أحد أهداف رؤية السعودية 2030، تُشجع الدولة المؤسسات والشركات على دمج الأدوات الرقمية في عملياتها التشغيلية.
وقد تسارع هذا التحول تحديدًا في قطاع إدارة الموارد البشرية، مما سهّل تبني نماذج العمل غير التقليدية، مثل العمل عن بُعد، لا سيما مع توفر أدوات إدارة ذكية مثل ‘بيك تايم’، التي تسهم في توثيق الحضورعن طريق حساب ساعات العمل، ومراقبة الأداء، وتقديم تقارير امتثال تلقائية متوافقة مع أنظمة الوزارة.
هذا التحول لا يقتصر على الجانب التقني فحسب، بل يشمل تغييرًا في الثقافة المؤسسية، حيث أصبحت المرونة والنتائج الملموسة أهم من التواجد الفيزيائي، وهو ما يدعم التكامل بين التقنية والتوطين الفعّال.
التوطين هو عملية تعزيز توظيف المواطنين في سوق العمل الوطني، بهدف تقليل الاعتماد على العمالة الأجنبية وزيادة مشاركة القوى الوطنية في التنمية الاقتصادية. تهدف هذه الاستراتيجية إلى تمكين المواطنين من فرص عمل مستدامة تناسب مهاراتهم وتطلعاتهم، مما يسهم في تقليل نسبة البطالة وتعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
أعلنت الهيئة العامة للإحصاء عن إحصاءات سوق العمل الصادرة للربع الأول من عام 2025م، التي أظهرت أن معدل البطالة الإجمالي للسعوديين وغير السعوديين بلغ 2.8%. كما سجل معدل البطالة بين السعوديين أدنى مستوى تاريخي له حيث انخفض إلى 6.3%، مع تراجع ملحوظ في بطالة النساء السعوديات إلى 10.5%، مما يعكس نجاح السياسات الداعمة لتعزيز التوظيف وتوفير فرص عمل متنامية للمواطنين.
تعمل وكالة التوطين على وضع الخطط والسياسات التي تهدف إلى زيادة فرص توظيف المواطنين في القطاع الخاص، ممع التنسيق بين الجهات الحكومية والخاصة لضمان التنفيذ الفعّال لهذه الخطط. تشمل مهام الوكالة دراسة الأنشطة المستهدفة، تحديد الأولويات، ومعالجة التحديات في استحداث الوظائف.
وتشمل برامج الوكالة الرئيسية: العمل المرن، العمل عن بعد، والعمل الحر ،والتي تهدف إلى توفير بيئات عمل مرنة ومتنوعة تدعم توطين الوظائف وتعزيز مشاركة المواطنين في سوق العمل الوطني.
تواجه برامج التوطين عدة تحديات منها الفجوة بين مهارات المواطنين ومتطلبات سوق العمل، وتفضيل بعض الباحثين عن العمل للوظائف الحكومية مقارنة بالقطاع الخاص. بالإضافة إلى مقاومة التغيير في بعض القطاعات وارتفاع تكاليف التوظيف. هذه العوامل تستدعي هذه العوامل بذل جهود مستمرة لتطوير البرامج وتعزيز التكامل بين التعليم وسوق العمل.
وقد نجحت عدة شركات سعودية في دمج العمل عن بُعد ضمن استراتيجياتها للتوطين، محققة زيادة في نسبة توظيف المواطنين وتحسين الإنتاجية، مع مرونة تشغيلية عالية.
دعم حكومي للأدوات والمنصات الرقمية
حققت الحكومة السعودية تقدمًا ملحوظًا في دعم العمل عن بُعد، عبر تطوير وتوفير منصات رقمية متقدمة تسهّل توظيف المواطنين إلكترونيًا وتعزز كفاءة سوق العمل الوطني. ومن أبرز هذه المبادرات منصة العمل عن بُعد، التي تُعد بوابة إلكترونية متكاملة تتيح لأصحاب العمل والباحثين عن العمل التواصل وتسهيل إجراءات التوظيف بشكل مرن وآمن. كما أطلقت الجهات الحكومية العديد من البرامج التدريبية والتأهيلية التي تهدف إلى رفع مهارات المستفيدين في التكنولوجيا والمهارات الرقمية، ما يُعد ركيزة أساسية لنجاح العمل عن بُعد
إدراج العمل عن بُعد ضمن خطط التوطين الرسمية
أدرجت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية العمل عن بُعد رسميًا ضمن استراتيجيات وخطط التوطين الوطنية، مع الاعتراف به كأحد المحفزات الرئيسية التي تدعم توظيف المواطنين في بيئات عمل مرنة ومتنوعة تلائم مختلف الفئات. هذا التوجه ساهم في توسيع نطاق فرص التوظيف، خاصةً للفئات التي تواجه تحديات في العمل التقليدي مثل النساء وسكان المناطق النائية وذوي الإعاقة، مما يعزز من تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 في تنمية سوق العمل الوطني وتقليل معدلات البطالة.
شراكات مع القطاع الخاص
شهدت السنوات الأخيرة تعاونًا مثمرًا بين القطاعين الحكومي والخاص في تبني وتطوير نماذج العمل عن بُعد ضمن استراتيجيات التوطين. فقد قامت العديد من الشركات السعودية الكبرى والصغيرة باعتماد العمل المرن والبعيد، مدعومة بحوافز وبرامج تحفيزية من الجهات الحكومية، مثل دعم الرواتب وبرامج التدريب. هذه الشراكات ليست فقط محفزًا لتوظيف المواطنين، بل تشكل منصة لتعزيز الابتكار وتحسين بيئة العمل، حيث تساهم في بناء اقتصاد رقمي مستدام قائم على الكفاءة والتقنية.
تواجه التوظيف عن بُعد بعض العقبات المتعلقة بالتقاليد وثقافة العمل، إضافة إلى الحاجة لتطوير الأطر التنظيمية التي تدعم هذا النموذج وتضمن حقوق الموظفين وأصحاب العمل.
تعاني بعض الفئات من ضعف المهارات الرقمية اللازمة للعمل عن بُعد، مما يستدعي تنفيذ برامج تدريب وتأهيل مستمرة لرفع كفاءتهم وضمان تحقيق الأداء المطلوب.
يعبّر بعض أصحاب الأعمال عن قلقهم من احتمال انخفاض الإنتاجية نتيجة غياب المراقبة المباشرة، ما يستدعي اعتماد آليات فعالة لمتابعة الأداء
يُعتبر التوظيف عن بُعد من أبرز توجهات سوق العمل الحديثة، لكنه يواجه تحديات عديدة مثل الصعوبات الثقافية والتنظيمية، ضعف المهارات الرقمية لدى بعض الفئات ومخاوف انخفاض الإنتاجية. لمواجهة هذه التحديات، أصبح اعتماد الحلول التقنية المتقدمة ضرورة ملحة لتعزيز الثقة وتحقيق أهداف التوطين.
تُسهم الأدوات الرقمية بدورٍ أساسي في متابعة أداء الموظفين عن بُعد بدقة وفعالية، مع الحفاظ على خصوصيتهم وتشجيع الشفافية. تبرز منصة بيك تايم كنموذج عملي يُسهم في تحسين إدارة وتتبع وقت العمل والإنتاجية، عبر لوحة تحكم ذكية توفر تحليلات دقيقة تساعد أصحاب العمل على مراقبة الالتزام بساعات العمل دون الحاجة إلى التواجد الميداني.
يساعد هذا التكامل التقني في دعم استراتيجيات التوطين من خلال توسيع قاعدة التوظيف الوطني، خاصة في نماذج العمل المرن والبعيدة التي تتطلب مراقبة دقيقة ومرنة لأداء الموظفين. كما يقلل استخدام هذه الأدوات من مخاوف أصحاب الأعمال بشأن انخفاض الإنتاجية، ويُعزز بيئة عمل قائمة على الثقة والكفاءة، مما يسهم في تحقيق رؤية المملكة 2030 لتطوير وتنمية سوق العمل الوطني.
وفي الختام، شهد سوق العمل السعودي تطورًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، مدفوعًا برؤية المملكة 2030، حيث أصبح العمل عن بُعد أحد الأدوات الفعالة لتحقيق أهداف التوطين. تناولنا في هذه المقالة أبرز الجهود الحكومية في دعم هذا التوجه، وأهم التحديات التي تواجهه، والحلول التقنية الممكنة، مثل أدوات تتبع الأداء ومنصات العمل الرقمية.
تبرز أهمية دمج التقنية مع إدارة الموارد البشرية كعامل حاسم في تعزيز إنتاجية الموظفين عن بُعد ورفع كفاءة التوطين، خاصة في ظل التغيرات المتسارعة في طبيعة بيئات العمل. فالتقنية وحدها لا تكفي ما لم تُوظّف ضمن استراتيجيات واضحة تراعي الجوانب البشرية والتنظيمية.
في ضوء هذه المعطيات، تبدو رؤية مستقبل سوق العمل السعودي واعدة، إذ يُتوقع أن يشهد مزيدًا من التحول نحو نماذج عمل مرنة وموزعة جغرافيًا، مدعومة بسياسات حكومية فعالة وشراكات حقيقية بين القطاعين العام والخاص. وسيظل تعزيز العمل عن بُعد أداة استراتيجية لتمكين الكفاءات الوطنية وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
هل توظف سعوديين عن بُعد؟ عزز كفاءة فريقك وحقق أهداف التوطين بذكاء باستخدام أدوات رقمية — ابدأ الآن مع بيك تايم.
أحدث المقالات
Recent Posts